ايمن غريب Admin
عدد المساهمات : 661 تاريخ التسجيل : 17/01/2013 العمر : 31 برجي هو :
| موضوع: الدولة العباسية بين القوة والضعف والإستقواء السبت يناير 19, 2013 9:20 am | |
| الدولة العباسية بين القوة والضعف والإستقواء
بقلم/ الكاتب محمّد العراقي
لقد مرّت الدولة العباسية العربية الإسلامية كأي حضارة بمراحل قوة وضعف وما بينهما خصوصا وقد سارت على مبدأ التوريث للحكم ولم تتخذ من مبدأ الشورى الإسلامي بموجب الشريعة والذي اعتمدته دولة الإسلام الأولى مبدأ لها في حقبها المتوالية وسنقسم الخط البياني لسير تلك الحضارة إلى ثلاث مراحل
المرحلة الأولى/ هي حقبة العصر العباسي الأول وهي تجسد القوة والهيبة واستمرار الفتوحات والازدهار السريع وقد استمرت بذلك حتى دبّت الصراعات على الحكم جراء اقتران بعض الخلفاء من بني العباس بالنساء غير العربيات ومؤداه في المفاضلة بين الأمراء عند تسميتهم لتولي الخلافة
المرحلة الثانية/ هي حقبة العصر العباسي الثاني وهي تمثل تراجع القوة وتوقف الفتوحات والانشغال بتحكيم الثغور وفض النزاعات الداخلية للأمصار وإخماد الفتن وبدء الصراعات والدسائس بين الأمراء ومن وراءهم على الخلافة كصراع الأمين والمأمون على الخلافة
المرحلة الثالثة/ فهي تقسم إلى مرحلتين بحسب مجريات أحداثها وسير التداخلات الخارجية وتغير موقع عاصمة الدولة اثر بدء وتعاظم تلك التداخلات والتي شهدت بنهاية مرحلتها الثانية سقوط وزوال تلك الحضارة
الأولى/ هي مرحلة الانتقال إلى سامراء وأسباب ذلك التي تؤشر على بدء تعاظم استقواء العنصر التركي الذي اعتمده الخليفة المعتصم وقد ابتدأ ذلك العنصر أولا بتطبيق أجندته الهدامة بالتدخل في شؤون الجيش العربي العباسي بإقصاء قادة الجيش من العرب والتآمر عليهم وقتلهم ليضعف دورهم في الجيش للتهيؤ للتداخل السياسي عندما تحين الفرصة لذلك بقدوم خلفاء ضعفاء وقد حصل المراد بعدما تم التآمر لقتل الخليفة المتوكل ونهايته المأساوية وهي تمثل نهاية العصر العباسي الثاني (وقد كتبنا في ذلك بحثا خاصا)
الثانية/ وهي تمثل بداية العصر العباسي الأخير وهي التي تجسد تدهور وتفاقم مراحل ضعف تلك الدولة بالتدريج إذ ابتدأت بتحكم الأتراك التام بشؤون إدارة الدولة في مطلعها حتى أتى الصراع بينهم وبين آل بويه من الأعاجم في نهاياتها وتحكم هؤلاء أيضا بشؤون تلك الدولة التي بقيت تعيش الصراعات بين ذينك الطرفين حتى لم يبقى في بعض المراحل للخلفاء إلا الاسم أحيانا وسنتناول هنا تقييم سير بعض خلفائها وسياساتهم وابرز الأحداث فيها إلى جانب مجريات الأحداث التي جسدت تلك التداعيات في هذا الموضع فهي حقبة الضعف والإستقواء بقوى خارجية من غير العرب والاعتماد على أبناءها كقادة وجند في جيش الدولة النظامي وكذلك السماح بتداخل بعض تلك العناصر الخارجية في سياسة تلك الدولة بشكل مباشر في بعض المراحل والذي وصل حد عزل الخلفاء أو توليتهم أو حتى قتلهم كما حدث غير ذي مرة في عاصمة بني العباس الجديدة سامراء ولأجل إسقاط الضوء على تلك المرحلة سنتناول سير سياسة الدولة من عهد الخليفة المعتمد حتى آخر خلفاء بني العباس المستعصم
مجريات الإحداث بين عهدي المعتمد والمعتضد
[b]
[center]وهي التي تشكل اكبر علائم التدهور السياسي وانتقال السلطة في باطنها بأيدي قادة الأتراك في الجيش ففي عام 235 ه وفي عاصمة الدولة العباسية سامراء كان المتوكل قد ولّى العهد بين أولاده كما فعل من قبله خلفاء بني العباس حيث ولى محمداً وسمّاه بالمنتصر وأبا عبد الله بن قبيحة وسماه بالمعتزّ وإبراهيم وسماه المؤيّد على إن المتوكل رأى أن يقدم ابنه المعتز على أخويه المنتصر والمؤيد لمحبته لوالدته قبيحة كما تورد صفحات التاريخ حول موضوع حادثة خطبة الخليفةالمتوكل في شهر رمضان وما جرى في تلك الحادثة وتداخلاتها والتي كتبنا عنها في المنتدى تحت عنوان (من تآمر على الخليفة المتوكل) عندما خرج للصلاة بالناس بدلا من الأمير المنتصر والذي كان من المعلن أن يؤم الناس في ذلك اليوم وان الأمير قد غضب لذلك الأمر كثيرا واعتبره ضده خصوصا وقد جرى معه مرتان فعزم على تدبير موآمرة مع قادة الأتراك لاغتيال أبيه الخليفة المتوكل ولا غرو فقد حاول بعض الأتراك من الملتفين حول المنتصر قتل المتوكل بدمشق ولكنهم أخفقوا في تدبيرهم بفضل القائد بغا الكبير والفتح بن خاقان وهنا ذكرالمسعودي فقد كان الأتراك قد رأوا إنهم يقتلون المتوكل بدمشق فلم يمكنهم فيه من حيلة بسبب بغا الكبير فهو من حال بينه وبينهم لذا قام أولئك بتدبير مكيدة جديدة سنعيد وصفها حين طرحوا في مضارب المتوكل رقاعا يقولون فيها إن بغا قد دبر ليقتل أمير المؤمنين والعلامة في ذلك أن يركب في يوم كذا في خيل وجماعة من الغلمان العجم ليفتكون به بينما كتبوا رقعة أخرى ورموها في مضرب بغا تقول إن جماعة من الغلمان والأتراك قد عزما على الغدر بالخليفة في الموعد نفسه لتتم المكيدةفقرأ المتوكل كغيره الرقاع ووقع في نفسه كثيرا وقد نجحت المكيدة التي خططها أولئك فدخل في قلبه من ذلك القائد غيظا كثيرا وقد شكا ذلك إلى الفتح وقال له في أمر بغا وشاوره في أمره وهنا قال له الفتح يا أمير المؤمنين إن من كتب الرقاع قد جعل للأمر دلالة في وقت معين فانا أرى أن تمسك ذلك لنتبين الدليل وعندها نظرنا كيف يفعل وان بطل ما كتب فالحمد لله ولما أتى الموعد وخرج القائد لتدراك الأمر الذي عرفه من الرقعة التي رميت إليه تأكد الخليفة مما قراه بالرقاع فغضب الخليفة وامسك عن الماء والطعام في قصره إلى المساء وبغا قائم يحرسه لخوفه عليهولكنه يظن العكس بموجب ما صور إليه ولم يعلم الطرفين إن الحيلة التي دبرها الموالي قد سرت عليهما معا وفي الصباح أمر المتوكل أن يخلف بغا إلى الشام وان يسافر من فوره وامتثل وغادر إلى الشام تاركا الساحة لأولئك وهو حيران لكن ما عساه أن يفعل وقد كان الذي تآمر عليهما هم بغا الصغير مع باغر وغيرهم وهنا قال المسعودي انه لما اقبل المساء ومضت ثلاث ساعات من الليل اقبل داغر ومعه عشرة أنفار من الأتراك وهم ملثمون والسيوف تلمع في أيديهم على ضوء شموع القصر فهجموا على مجلسه الخليفة وقام داغر وآخر من الأتراك معه بالصعود على سريره فقام إليهم الفتح لينجد الخليفة وانه لم يبقى من المجلس غير الفتح وهو يحاربهم ويمانعهم وقد قال البحتري فسمعت صيحة المتوكل عندما ضربه باغر بالسيف الذي كان المتوكل قد أهداه إليه على جانبه الأيمن إلى خاصرته ثم ثناه على جانبه الأيسر بنفس الحالة وانه لما اقبل الفتح يمانعهم بعج احدهم بطنه بالسيف فأخرجه من متنه وهو صابر لا يتنحى ولا يزول فما رأيت أحدا كان أقوى نفسا ولا أكرم منه فطرح بنفسه على المتوكل فماتا معا ولفا في بساط واحد وطرحا ناحية فلم يزلا كذلك في ليلتهما وعامة نهارهما حتى استقرت الخلافة للمنتصر كما خطط لذلك فأمر بهما ودفنا في سامراء سنة247ه بعد أن أعلن إنالذي قتل المتوكل هو الفتح بن خاقان وان المنتصر كان قد قتله انتقاما لوالده في تلك الدسيسة والمؤامرة المؤسفة التي بها تسلم القاتل مقاليد حكم أباه وبويع له وابتدأ عصر التردي ولم تطول الأيام بالمنتصر اثر ذلك فأتى عهد الخليفة المعتّز بن المتوكل والذي كان كما يصفه صاحب الفخري انه كان شخصا جميلا حسن الصورةولم يكن بسيرته ورأيه وعقله بأس ولكن الأتراك كانوا قد استولوا على مقاليد الأمورمنذ مقتل والده مما اضعف الخلافة حينذاك بحسب ما يذكر المسعودي في مروج الذهب وان المعتز قد عمل على التخلص من نفوذ زعماء الأتراك وقادتهم ومال إلى المغاربة والفراغنة دونهم في تحول استقوائي جديد مما أغاظهم وكادوا له وكانت إدارة المعتز قد تأخرت في دفع بعض مرتبات قادة الأتراك لظرف خاص فاتخذ الأتراك من ذلك فرصة للخروج عليه فطالبوه برواتبهم فعجز عن دفعها ثم استمهلهم وتوجه إلى أمه قبيحة وكانت غنية تملك قرابة المليون وثمانمائة ألف درهم ذهب عدا الجواهر من ذهب وحلي وزمرد وياقوت ولؤلؤ وغيره من نفائس الأحجار الكريمة فأراد منها أن تمده ببعض المال لإسكات ثورةالعسكر والجند في دولته وجيشه وكان المال الذي يحتاجه هو خمسون ألف فقط ولكنها رفضت وأبت إلى ذلك سبيلا ولم تكتف بذلك بل إنها استنجدت بموسى بن القائد بغا وكانت ثورة الجند قد اشتدت وتفاقمت فقبضوا عليه وقتلوه بزعامة صالح بن وصيف بعد أنادخلوه حجرة واتوا بابن أبي الشوارب وجماعة معه وأشهدوهم على خلعه....
(تدهور الحالة السياسية للدولة العباسية وتفاقم التداخلات)
بعد أن قتل الخليفة المتوكل أول خلفاء العصر العباسي الثاني وبدء التدهور تولى الخلافة ولده المنتصر عندما بايعه القادة الأتراك والذي سرعان ما انقلب عليهم عندما أحس بخطرهم الكبير وبأنهم باتوا يتحكمون بكرسي الخلافة وتحديد من يجلس عليه وإنهم بذلك قد سيطروا على الدولة العباسية فحاول إبعادهم وإشغالهم بالحروب مع الروم والبيزنطيين على الثغور ولم يخف مشاعر حقده عليهم حيث صرح بذلك كثيرا مما جعلهم يفكرون بقتله وتم ذلك بالفعل ولم يدم حكمه أكثر من ستة شهور ولم يكن له من عمل مميز إلا منهجه بمصالحة العلويين إذ أزال ما تركه والده من اثر سيء في نفوسهم وقد قتل في عامه الذي لم يتمه على أيدي قتلة والده وبعد ذلك اجتمع القادة الأتراك ليتشاوروا في تولية من يليه فاجمعوا على إبعاد أولاد المتوكل كيلا يتولى منهم من يثأر لوالده وأخاه بحسب ما ذكره ابن الأثير وبايعوه وله من العمر ثماني وعشرون سنة ولقب بالمستعين إلا إنهم سرعان ما اختلفوا وانقسموا على أنفسهم كفريقين مختلفين بالرأي حول التولية الأول بزعامة باغر التركي قاتل المتوكل والفريق الثاني المؤيد بزعامة القائدين وصيف وبغا وهم الذين قاموا بالخروج من سامراء ليلا واصطحاب الخليفة إلى بغداد ولكنهم فيما بعد اسقط بيديهم فحاولوا استدراج الخليفة بالاعتذار إليه ليعود إلى سامراء غير انه رفض تلبية طلبهم فلما رأى أولئك انه تنكر لهم وعصاهم خلعوه وبايعوا ابن عمه أبى عبد الله بن الخليفة المتوكل ولقب بالمعتز وحدثت بذلك فتنة كبيرة بالبلاد بين بغداد وسامراء ويروي أحداثها احمد بن الحارث اليماني فيقول إنها حرب دامت عدة أشهر وأتعبت كاهل البلاد وحل الغلاء وعظم البلاء إلا إن المعتز في سامراء انتدب أخاه أبى احمد بن المتوكل الملقب بالموفق على حرب المستعين وحدثت أحداث أخرى ذكرها المسعودي حول انهزام المستعين واستجارته وخذلانه حتى انتهى الأمر به معزولا ومبعدا في واسط بعد أن أوكلوا به القائد احمد بن طولون ومن ثم أرادوا منه قتله فرفض ولكنهم عادوا فأرسلوا إليه احد الحجاب مع بعض الجند فقام بقتله وانتهى أمر المستعين وعهده الذي جرت به الكثير من الفتن في الداخل والخارج ولم يتسنى له مباشرة إدارة شؤون خلافته منذ البداية وحتى النهاية وعند تصفيته بقيت الخلافة للمعتز الذي كان ضعيفا وأمره مرهون بيد الأتراك حيث كان يخاف بطشهم وغدرهم وكان لا ينام إلا وسلاحه جواره حتى قتل بتلك الحادثة الشهيرة التي كنا قد كتبنا عنها عندما ثار الجند لعدم استيفاء مرتباتهم وحين رفضت والدته قبيحة مساعدته في دفع المبالغ المترتبة حتى قتل بتلك الصورة البشعة التي وصفها لنا ابن الأثير وانتهى أمره في عام 255ه ثم وليَّ الخلافة أخاه المهتدي وعلى الرغم من كونه ضعيفا وواقع تحت تأثير الأتراك إلا انه كان رجلا صالحا وملتزما وقيل أيضا انه ابن الخليفة الواثق إذ لم يكن من الذين ولاهم المتوكل وسنمر بعجالة على وصف عهده فقد كثرة في خلافته الثورات والفتن ومنها بدايات ثورة الزنج في البحرين تجاه البصرة في بغداد والموصل وطبرستان وغيرها مما امتد إلى الأردن وفلسطين ودمشق وليس ذلك معرض بحثنا فقد كان المهتدي كغيره من سابقيه ألعوبة في يد القادة من الأتراك مع انه فكر بالخلاص مما قد ينتظره في أية لحظة حين حاول استمالة احدهم وهو القائد باكباك ومناه بقيادة الجيش إن هو أقدم على قتل القائد الكبير بغا إلا إن باكباك وشى به وهنا سرعان ما اجتمعت كلمة الأتراك على قتله على اثر قتله بعض الموالي ثم اجتمعوا عليه وأسروه وعذبوه حتى مات فكان مقتله في رجب عام256ه يتبع
| |
|
ايمن غريب Admin
عدد المساهمات : 661 تاريخ التسجيل : 17/01/2013 العمر : 31 برجي هو :
| موضوع: تابع الدوله العثمانيه السبت يناير 19, 2013 9:22 am | |
| (خلافة المعتمد كأنموذج للتداخل) لقد جسدت حقبة خلافة المعتمد هي حقبة هامة من حيث التداخلات ومفارقاتها وسنحاول إسقاط الضوء على بعض مفاصلها فقد بايع القادة الأتراك المعتمد للخلافة والذي كان حينذاك محبوسا في الجوسق وهو سجن بسامراء وأطلقوا سراحه وتمت مبايعته وولى عهده لابنه جعفر ولقب بالمفوض إلى وولي أخاه أبا احمد طلحة من بعده ولقب بالموفق الله ويقول صاحب الفخري إن الموفق قد غلب ألمعتمد ونافسه منافسة شديدة على الحكم وإدارة الدولة على الرغم انه هو الذي كان قد استدعاه حين أنفذ إلى مكة رسولا لإحضاره في عام257ه حيث كان الخليفة المهتدي قد نفاه إلى مكة المكرمة ثم اضطر المعتمد أخيرا لتقسيم الدولة العباسية بين ولده وأخيه فخص الموفق بالبلاد الشرقية والمفوض بالبلاد الغربية وضم إليه موسى بن بغا وولاه أفريقيا ومصر والشام والجزيرة وأرمينيا وطريق خراسان وغيرها حتى بات حكم المعتمد حكما غريبا فكان هو والموفق كالشريكين بالخلافة للمعتمد الخطبة والسكة (سك النقود) والتسمية بأمير المؤمنين ولطلحة الموفق الأمر والنهي وقود العساكر ومحاربة الأعداء ومرابطة الثغور وترتيب الوزراء والأمراء وكان المعتمد مشغولا عن كل ذلك بملذاته ويقول الأسيوطي إن المعتمد قد انهمك باللهو والملذات واشتغل عن الرعية بينما برز أخاه الموفق فكرهه الناس وأحبوا أخاه أما موسى بن بغا فقد كان من أحسن الأمثلة التي تدلل على تحكم القادة الأتراك في ذلك العصر وقد كان بغا الكبير والد موسى من كبار قواد الجيش العباسي في أيام المعتصم وقد اشترك في كثير من الحروب التي نشبت للذود عن الخلافة وأبدى فيها شجاعة فائقة رفعت منزلته فوق غيره من القواد حتى سمح له أن يتزوج من بيت الخلافة وفي ذلك يقول الطبري (موسى هذا هو ابن خالة المتوكل) وان موسى كان قد تدرج بالجيش حتى أصبح من اكبر قواده وتعاظم نفوذه وتداخله حيث قام بدور هام في الثورات التي قام بها الأتراك في وجه الخلفاء فتارة تراه يذود عن عرش الخلافة وتارة أخرى يتآمر مع المتآمرين كما ترى إن الخلفاء يندبونه لتهدئة وإخماد ثورات الثائرين على الخلافة وقد كان مقربا من المعتمد الذي بالغ في إكرامه وأرسله خارج سامراء في عام 259ه لقتال صاحب الزنج وخلع عليه وبذا يكون موسى قد غدا الساعد اليمين لكل من المعتمد والمفوض والموفق وبقي على منزلته حتى وافته المنية في عام 264ه وقد حدثت في عهد المعتمد أحداث عديدة هامة منها ثورة الزنج وأحداث الثغور الشامية وهجوم البيزنطيين الفاشل على ربيعة قرب نينوى شمالي العراق بعد نكثهم عهد الصلح حيث كان المعتمد وقائده على مصر والشام حينذاك احمد بن طولون هما مصدر قلق وخوف البيزنطيين ثم تعاظم الخلاف بين المعتمد والموفق في عام269ه وأراد المعتمد الهرب من سامراء قاصدا احمد بن طولون في دمشق الذي كان قد راسله وأرسل إليه قائدين من قواده بالرقة ولكن الموفق كان قد أرسل صالح بن مخلد لرد الخليفة وساعده في ذلك اسحق بن كنداج عامل الموصل فلم يضيعا جهدا بإعادة الخليفة إلى سامراء بشتى السبل فانتهى الأمر وفشلت خطته بالهرب وقبض عليه في بلدة حديثة الحالية وحجز المعتمد وأوكل به خمسمائة من الجند كي يمنعوا الناس عنه ويمنعوه من الخروج إليهم فكان كما يقول السيوطي أول خليفة قهر وحجر عليه ووكل به. أما ما كان من احمد بن طولون فانه قد غضب كثيرا وحاول خلع الموفق من دمشق واشتد الخلاف بينهما ولم يذعن للموفق حتى وفاته في عام 270ه وقد حزن المعتمد في سجنه لذلك كثيرا ورثى بن طولون بعدة أبيات وقد كان عام 270ه هاما للدولة فقد انتصر المسلمون على البيزنطيين وقتلوا منهم سبعون ألفا وقتلوا كثيرا من البطارقة وغنموا صلبانهم الذهبية وما إليه من كراسي الذهب والفضة وفي عام278ه نشبت حرب مع البربر وقتل من الفريقين خلق كثير وفي ذلك العام توفي الموفق الذي كان يسيطر على الخلافة فجلس للعزاء ابنه أبو العباس بن الموفق وبقي المعتمد هو الخليفة الرسمي ثم اجتمع القادة وبايعو أبو العباس بولاية العهد ولقبوه بالمعتضد على أن تكون ولايته بعد المفوض ابن الخليفة المعتمد ولكن الأمر جرى مغايرا في حقيقته حيث سرعان ما ضعفت سلطة المعتمد مجددا بعد تحول سلطة الموفق لولده برعاية الأتراك حتى اشهد المعتمد على نفسه انه قد خلع ابنه المفوض من ولاية العهد وبايع بالولاية للمعتضد ولم تمض أشهر قليلة حتى أعلن عن وفاة المعتمد وقيل انه قد دس إليه السم وقد بقي المعتمد في الخلافة ثلاثا وعشرين سنة تخللتها الفتن والاضطرابات..... يتبع الجزء الاخير حقبة الضعف الأكبر من عهد المعتضد وحتى النهاية بعهد المستعصم
(بداية النهاية وعلامات التهتك والانهيار) لقد كانت حقبة الضعف الأكبر في الخط البياني لدولة بني العباس هي من عهد المعتضد وحتى النهاية المأساوية في عهد المستعصم وسنمر بعجالة على سير خط الخلافة في تلك المرحلة الأليمة فعندما توفي الموفق في عام278ه وبويع للمعتضد بولاية العهد من قبل القادة الأتراك وبعد خلع المفوض ووفاة المعتمد المفاجئة بعد أن بايع للمعتضد قام المعتضد بخطوة جديدة وهي نقل مقر الخلافة والعودة به إلى بغداد في عام279ه/892م وبقي هناك وقد دامت خلافته عشرة أعوام وتوفي في عام289ه ثم آلت الخلافة لولده أبي محمد علي وتلقب بالمكتفي بالله في عام289ه ولم يعمر بالخلافة فقد توفي في ريعان شبابه في 11 من ذي الحجة عام295ه وكانت خلافته نحو ستة أعوام وقد خلفه في الخلافة أخوه في ذلك العام الذي توفي فيه وبويع له وقد لقب بالمقتدر وقد دامت خلافته زهاء خمسة وعشرون عاما من295ه وحتى مقتله في 320ه وقد تولى الخلافة بعده أخوه أبو المنصور محمد بن المعتضد ولقب القاهر بالله والذي لم تدم خلافته سوى عامين إذ تولى في عام 320ه وتوفي في عام 322ه وبعدها آلت الخلافة إلى أبى العباس احمد بن المقتدر ولقب بالراضي بالله في اليوم السادس من شهر جمادى الآخرة من عام 322ه وقد دامت خلافته نحو سبعة أعوام حيث توفي في عام329ه ثم اجتمع القادة الأتراك وبايعوا بعدئذ إبراهيم بن المقتدر والذي لقب بالمتقي لله وقد دامت خلافته ما يربو على الثلاث أعوام وأياما قليلات فقط إذ تم خلعه لكنه بقي حيا لمدة طويلة, وقد حدثت فيها نقطة تحول أخرى من التداخلات الخارجية ولكنها سلبية أيضا فقد دخل بنو بويه العراق وبغداد في عام 230ه بقيادة معز الدولة أبو الحسين احمد بعد أن دعاهم الخليفة المتقي لدخول بغداد بحسب ما روته صفحات التاريخ لخلافه مع توزون التركي وكونه كان يخشاه على الرغم من العهود والمواثيق التي كان قد حصل عليها منه ولكن البديل كان أكثر سوءا فقد استبد البويهي وانقلب هو وأتباعه بالأمر من دون الخليفة المتقي لله والأمراء وتفاقم الأمر حتى تمكن رئيس الشرطة توزون التركي وأتباعه في شهر رمضان من ذلك العام الذي دخل به بني بويه من طردهم بعد أن قام بقتالهم وطردهم من شمالي وسط البلاد في سامراء وتكريت والموصل إذ إن الخليفة المتقي لله كان قد ترك الخلافة في بغداد وتواجد بالموصل ولم يعد لبغداد إلا بعد أن انتهى توزون التركي من طرد كامل أتباع بني بويه منها ولكنه لما عاد ودخل بغداد على أمل مواثيق وعهود توزون التركي قبض عليه أتباعه من فورهم وخلع من الخلافة وتم سمله بالسندية في يوم السبت لإحدى عشر ليلة بقيت من صفر في عام 333ه وبقي مسمولا حتى الرابع عشر من شعبان عام 357ه وهذا ما كان منه أما ما كان من توزون والخلافة فبعد خلع المتقي بويع بالخلافة لعبد الله بن الخليفة المكتفي ولقب بالمستكفي بالله في عام333ه ولكن خلافته لم تدم كثيرا إذ لم تدم سوى عام ونحو أربعة أشهر فقط فقد خلع في عام334ه حيث توفي القائد توزون التركي في أوائل أيام خلافته في محرم من ذلك العام مما دعا البويهيون بالتفكير مجددا بغزو بغداد اثر ذلك وفعلا فقد قام معز الدولة بن بويه بالهجوم والاستيلاء على بغداد وسامراء (وقد أمر أتباعه بترميم وتزيين قبة مرقد الأمام علي الهادي في سامراء) على الرغم من إن الخلفاء العباسيين كانوا قد عمرو المرقد ووسعوه غير مرة,عموما عادت الخلافة من جديد لذلك التداخل الجانبي الثاني فقد أمر ذلك المعز من فوره بخلع الخليفة المستكفي ونصب مكانه أبا القاسم الفضل بن المقتدر بن المعتضد وقد لقب بالمطيع لله والذي دام حكمه زهاء تسعة وعشرون عاما ابتداءً من عام 334ه وحتى عام 363 ه ولكنه خلع في آخر أيامه أيضا على يد البويهيين عندما وقع القتال بين معز الدولة وبين ناصر الدولة بن حمدان الذي اصطف إلى جانبه الخليفة ولما عاد المعز إلى بغداد أعاد الخليفة معه كالأسير ولما وصل خلعه ونصب مكانه ولده أبو بكر عبد الكريم في 363ه ولقب بالطائع لله وقد دامت خلافته زهاء ثمانية عشر عاما من 363ه وحتى381ه وبعدها تم خلعه من قبل آل بويه حين ساءت العلاقة بينه وبين بهاء الدولة احد كبارهم الذي قبض على الخليفة وخلعه ثم حصلت المبايعة لمن خلفه وهو احمد ولقب بالقادر بالله في 381ه وقد دامت خلافته زهاء واحد وأربعون عاما وثلاثة أشهر وعشرين يوما وتوفي في شهر ذي الحجة من عام 422ه وله من العمر سبعة وثمانون عاما ثم بعد ذلك ولي الخلافة ابنه عبد الله ولقب بالقائم بالله والذي دامت خلافته زهاء خمس وأربعون عاما من 422ه وحتى467ه وقد خلع وأعيد في حادثة سنوالي ذكرها وهو كوالده عمر في الحكم ولكنهما جسدا عين حقبة الضعف والتداخلات الخارجية التي توزعت بين الترك والعجم وقد كان المتنفذ في زمانه هو جلال الدولة من آل بويه حتى تحرك القائم بالله بمسعى استقوائي جديد بعد كل تلك المدة ليحول دائرة التداخل الخارجي في زمن آخر سلاطين ومتنفذي آل بويه وهو الملك الرحيم ولم يدري بذلك انه إنما سينقذ الأمة من فتنة كبيرة باطنية كانت قادمة تتربص بها وتلك حقيقة قد جرت أحداثها فيما بعدت وقد يكون الرجل عالما بذلك فقد أرسل القائم إلى طغرل بك وهو احد أمراء السلاجقة السنّة يطلب منه إنقاذه وبلاده من الظلم والتحكم وسرعان ما امتثل طغرل بك لنداء الخليفة وجاء بنفسه على رأس جيش كبير في عام 447ه حتى بغداد ودخلها وقضى على البويهيين ونفوذهم قضاءً تاماً ولكن قبل ذلك حدثت حادثة أخرى فقد اضطر طغرل بك للخروج بجيشه لأمر هام آخر حين أوقع أولئك الشيعة بينه وبين أخاه إبراهيم ينال ومنوه بالوعود إن هو ساعدهم مما حدا بطغرل بك أن يخرج من فوره دون أن يترك في بغداد قوة حماية وقد استغل ذلك ارسلان البساسيري وهو من احد قواد آل بويه وقيل انه أصبح بتعاظم نفوذه احد وزراء دولة القائم وهو من طائفة الشيعة لكنه من أصل تركي أن يتحين الفرصة بحسب تصوره ليهجم ويسيطر على بغداد وقتل من قتل وقام بخلع الخليفة محاولا إسقاط الدولة العباسية في محاولة لتحويل الحكم إلى الشيعة بحسب ذلك التداخل الباطني الخطير في دولة المسلمين ثم تحول صوب سامراء واستقر في تكريت لفترة ومن هناك أمر الخطباء أن يدعوا للفاطميين وهم الشيعة العبيديين في مصر ليتم محاولته التي اسماها الحافظ الذهبي في كتابه سيَر أعلام النبلاء بالفتنة العظمى حيث ثبت إن البساسيري كان على اتصال مسبق معهم في مسعى لذلك الأمر عموما فقد خلع الخليفة القائم بالله وأرسله معتقلا إلى مدينة عانة الحالية في الانبار ولكن لم يتم له ذلك فقد رجع طغرل بك بعد سنة واحدة وقد تمكن من محاصرة جيش أخاه المتمرد وقتله ليعود إلى بغداد ما أن سمع بالأمر وقام بالقضاء على حركة البساسيري وأتباعه فورا والذي كان حينها قد التجأ إلى الكوفة فأرسل إليه جيشا قوامه ألفي فارس بقيادة خمارتكين الطغرائي الذي انتصر عليهم وبهذا قتل البساسيري وانتهى أمر حركته وحمل رأسه إلى الخليفة وأعيد بذلك الخليفة إلى مقر خلافته وعرشه في بغداد بعد أن أخمدت تلك الفتنة الكبيرة وبقي القائم بالله يحكم قرابة ستة عشر عاما وقيل انه لم يضع رأسه على وسادة فكان يقيم الليل ويصوم النهار حتى عام467ه حيث توفي القائم بالله وقد بويع المقتدى وقد دامت خلافته زهاء عشرة أعوام من 467ه وحتى487ه وفي أخريات أيام عهده قدم السلطان ملك شاه التركي ثم توفي المقتدى فجأة وبويع لأبي العباس ولقب بالمستظهر بالله في487ه والذي دامت خلافته زهاء خمسة وعشرون عاما حتى إن السلطان بركيار السلجوقي بايعه وقد توفي في512ه وبعدها بويع للمسترشد بالله والذي دامت خلافته زهاء سبعة عشر عاما من512ه وحتى532ه حتى قتل في مراغة على يد مسعود بن محمد السلجوقي ثم بويع لولده ولقب بالراشد بالله وقد حكم الخلافة نحو ثلاث سنوات من529ه وحتى532ه وقد أراد السلطان مسعود السلجوقي العودة إلى بغداد ولكن الراشد بالله كان قد قتل عندما كان خارجا إلى بلاد أذربيجان على أيدي جماعة من الفرس ثم بويع من بعده للمقتفي لأمر الله في 532ه وقد دامت خلافته زهاء ثلاثة وعشرين عاما من532ه وحتى555ه وفي عهده توفي السلطان المستبد مسعود وعند ذاك عاد قرار مصير بغداد والعراق والأمة كلها لأهله وقد تحررت الخلافة بأمر الله من التداخلات لتلك الفترة ولم يبقى للخلفاء من منازع لكن ذلك لم يدم طويلا بحسب السعي ورائها وما يتربص بالأمة من دسائس الكائدين وقد توفي المقتفي لأمر الله وبايع الناس لولده بالخلافة ولقب بالمستنجد بالله في 555ه وقد دامت خلافته زهاء إحدى عشر عاما من 555ه وحتى566ه حيث توفي المستنجد بالله وقد بويع بالخلافة لولده ولقب بالمستضيء بأمر الله والذي دامت خلافته زهاء تسعة أعوام من 566ه وحتى 575ه حيث توفي هذا الخليفة وبعدها بويع بالخلافة لولده احمد ولقب بالناصر لدين الله في575ه وقد دامت خلافته زهاء سبعة وأربعون عاما من575ه وحتى622ه وقد كان عهد خلافته ذهبيا فقد أتاح له ظرفه الكثير سيما وانه كان رجلا حكيما قويا وسنفرد له بحثا خاصا , ثم توفي وبويع بالخلافة لولده محمد ولقب بالظاهر بأمر الله في 622ه ولم تدم خلافته سوى اقل من عام واحد وكان كبير السن وبعد وفاته بويع لولده منصور في 623ه ولقب بالمستنصر بالله وقد دامت خلافته زهاء سبعة عشر عاما من623ه وحتى640ه وكان عهده طيبا ومنورا فقد اهتم بالعلم وهو من بنى المدرسة المستنصرية ببغداد إلى جانب شجاعته الفائقة حيث كان هو من تمكن بقيادة جيشه لصد الهجوم المغولي الأول على العراق في منطقة جبل حمرين قرب سامراء وشماليها وقد توفي في 640ه وبويع لولده عبد الله أبى احمد ولقب بالمستعصم في 640ه وهنا قاربت النهاية فهو آخر خلفاء بني العباس وبنهاية عهده سقطت الدولة العباسية الكبرى التي كانت رمزا لدولة الإسلام التي حكمت غالب العالم لردحا من الزمن وقد دامت خلافة المستعصم منذ توليه الخلافة وحتى مقتله على يد المغول زهاء ستة عشر عاما من 640ه وحتى سقوط بغداد في 656ه بتلك الهجمة البربرية الهمجية الكبرى التي كانت ورائها أجندة باطنية تولاها وزير دولة المستعصم ابن العلقمي وهي متممة لسابقتها التي ابتدأها الوزير البساسيري ولم نتخلص من لاحقتها الأخيرة التي سقطت بها بغداد مجددا وبعين تلك الأجندة التي يكتب معنا الأحرار عن أحداثها ومآسيها وتداعياتها الاليمة حد ايامنا الراهنة.
الخُلاصــــــــة (الإنصاف في تقييم ما جرى بين التململ والسقوط)
لقد كثر الحديث ومنذ زمن من قبل المؤرخين والمثقفين عن تلك المرحلة المؤلمة في سير تاريخ الدولة العباسية وقد كان المنصفين منهم في الغالب يعرضون الأمر على حاله بحيادية مع التذكير بموضوعة التوريث بالحكم وتعلقها بالشورى دونما التأشير الإيحائي الظالم بمنهج سلبي منحاز ضد شخوص خلفاء دولة بني العباس تحديدا وهو الذي انتهجه البعض على مدى سير التاريخ وحتى اليوم من قبل بعض الشوفينيين الطائفيين الذين يريدون عين ذلك التوريث ولكن من زاوية أخرى يعينهم في تلك الدفوع المغرضين وأنصاف المثقفين من الحاقدين على أية مسعى توحيدي يروم أن يجمع العرب والمسلمين ككيان في هذا العالم وقد تمادى البعض منهم بذلك حين لم يكفوا ألسنتهم عن محاولة النيل من تلك الحضارة عن طريق توجيه النقد المباشر بالإسفاف إلى الخلفاء في غير مناسبة لكنا نقول اليوم وبعد تلك المراجعة التاريخية التي أشرت على بدايات أسباب ذلك التراجع ومسبباته إن لكل الأحداث المتراكمة على الدوام وحتى أيامنا الراهنة أسبابها إلى جانب تداعيات أخطاء متراكمة وليس من الضرورة أن يكون من يشار إليهم بالخلل هم وحدهم المسئولين عن كل ذلك سيما وان الأمة مستهدفة بأعلى درجات الاستهداف الخبيث الذي لما يزل دائرا بيننا حد أيامنا الراهنة حيث رغم كل ما أتيح لأبناء هذا العصر من نور وعلم وسعة ثقافة وحصانة فكرية سياسية تدعمها القوى التسليحية والتعبئة العسكرية التي تحوزها دول امتنا المفككة إلا إنها أثبتت من جديد إنها ومع كل ذلك عرضة لكل ما جرى مع ومرر على كواهل رجالات حقبة ظلمها التاريخ ولقد ابتدأ التراجع في بادية العصر الثاني بسبب تعاظم نفوذ أصحاب التداخلات الخارجية التدريجي والذي كانت له أسبابه بمكائد معدة من قبل أعداء الأمة ولكن هذا لا ينفي جهد محاولات جريئة قام بها بعض الغيارى من الخلفاء على دولة الإسلام بحسب مستطاعهم عندما حاولوا تخليص الخلافة مما علق بها من تداخلات ليسوا هم من كان السبب بوجودها في الأصل وحتى وصل الحال لما وصل إليه فالكثير منهم قد حاول أن يغير الوضع القائم الذي وجده وان ينقلب عليه ليخلص مصير دولته بشتى السبل المتعددة وكان من بينها المواجهة الجريئة التي وصلت حد القتال المشرف الذي كلفهم أرواحهم ودمائهم الزكية التي راحت على مذبح ذلك الخطر الساعي بنا حتى اليوم لكن أولئك الخلفاء الغيارى لم يتح لهم قدرهم وعظم بلاؤهم وهم بذلك المستوى من الشجاعة والغيرة والإقدام على إتمام الأمر خصوصا وان الأعداء يتربصون بهم بشدة ليحكموا الطوق على أعناقهم وهذا ما يفسر لكم مدة الحكم القصيرة التي أتيحت لهم والمؤشرة إزاء كل منهم حتى أتت حقبة الضعف الأكبر في ذلك الخط البياني الذي رأيتم فيه دولة بني العباس من عهد المعتضد وحتى النهاية المأساوية بسقوط الدولة العباسية وبغداد في عهد المستعصم التي أودت بكل شيء وقد وجدنا من يشيد دوما بمحاولات الإحياء والإصلاح التي جرت في تلك الحقبة كما جرى في عهد الخليفة الناصر لدين الله على وجه الخصوص ومقتضيات ذلك الظرفية حيث إن إرادة الله قد وضعت بين يديه أن يحل في زمن قد خلت فيه ساحة البلاد من تلك التداخلات السياسية ومؤثرات القوى الخارجية التي عوقت غيره كما إن الله قد مد في عمره حتى حكم زهاء سبعة وأربعون عاما ليأتي بعهد ذهبي لكننا نقول إن من العدل والإنصاف أن نقيّم كل مرحلة على حدة لنأتي بمحصلة حينها لنقارن مع مرحلتنا الراهنة وحينها سنرى بالطبع إن كل الذي جرى من قبل ممكن حدوثه في أية مرحلة راهنة ومستقبلية مالم يزال أصل ومنبت ذلك الداء الذي يكمن في جسد الأمة حتى اليوم والى ذاك فليتنبه المخلصون | |
|