صعبه المنال مشرفه
عدد المساهمات : 73 تاريخ التسجيل : 30/01/2013 العمر : 34 برجي هو :
| موضوع: حكم سيدنا سليمان عليه السلام الخميس يناير 31, 2013 12:27 pm | |
|
حكم سليمان عليه السلام
تولى "النبي سليمان" (عليه السلام) المُلك والحكم بعد وفاة أبيه النبي "داود" (عليه السلام) حوالي العام 970 ق.م، وفي عهده بدأ تفتت عمل أبيه في وحدة الأسباط الإسرائيلية، فبمجرد اعتلائه العرش أمر بقتل "يوآب" أكثر قواد داود خبرة ومهارة، وما كسبه سليمان لم يكن بالحرب كما فعل أبوه بل بسياسته الخارجية المرتكزة على المداهنة والمصارحة، فنجده قد استنجد بفرعون مصر - شيشنق- وتزوج من ابنته كما تزعم التوراة، وكانت هدية الزواج التي قدمها الفرعون لابنته تتمثل في مساعدته لسليمان علـى الانتقام من الكنعانيين وحرق مدينة جـازر، وبذلك عاد للفـراعنـة شيء من النفـوذ في عهـد الملك سليمان.
ومن الشعوب المجاورة التي عمل سليمان على استرضائها عن طريق المصاهرة، المؤابيين والعمونيين والآدوميين والصيدونيين والحيثيين حتى قيــل إن سليمان تزوج من سبعمائة امرأة وكان لديه ثلاثمائة من السراري، مما أغضب الرب عليه لأن نساءه بقين يتبعن آلهتهن الوثنية، وكانت نساءه قد أملن قلبه إلى تلك الآلهة ولم يكن اعتقاده بيهوه كاملاً كما كان والده داود. هذا ما ورد في توراة بني إسرائيل عن نبي مرسل كرمه الله بالحكمة، إلى أن البعض أنقص زوجاته السبعمائة إلى ستين وسراريه الثلاثمائة إلى ثمانين.
كانت الحكمة من أكثر الصفات التي اشتهر بها سليمان، فعُرف بسليمـــان الحكيم، وقيل إنه تكلم بثلاثة آلاف مثل، وكانت أناشيده ألفاً وخمساً، وما من مؤرخٍ إلا ووقف إزاء حكمته، وهذا ما ينفي ما ورد آنفاً عن إتباع سليمان لآلهة الوثنيين.
وادّعت التوراة أن عهد سليمان امتاز بتقدم تجاري عظيم، كلفته السيطرة على الطرق التجارية في سوريا وفلسطين وعلى الطريق المؤدي إلى البحر الأحمر، ومن أعماله التي قام بكثير منها بالاشتراك مع الفينيقيين، رحلة إلى "أوفير" التي ربما وجدت على ساحل الصومال، وادّعى كتبة التوراة أن سليمان حاول إقامة سفن له في ميناء عصيون جابر "إيلات حالياً" على شاطىء البحر الأحمر الواقعة ضمن أراضي الآدوميين، كما أرسل قوافل برية بمشاركة صديقه الملك حيرام الفينيقي ملك صور، وحيرام هذا لم يساهم مع صديقه سليمان في التجارة فحسب، وإنما كما زعمت التوراة في بناء الهيكل المشهور بهيكل سليمان، إذ أرسل له العمال المهرة لبناء هذا الهيكل حيث تفتقد إسرائيل لهم، وبذا انتقل بنو إسرائيل من عبادة "يهوه" في خيمة متنقلة، إلى عبادته في هيكل حجري.
استغرق بناء الهيكل سبع سنوات، وعمل فيه قرابة الثلاثين ألفاً من العمال، الذين نقلوا خشب الأرز من فينيقيا عبر البحر إلى شاطىء يافا، كما جاء المهندسون والبناءون المهرة والنجارون من "صور" لبناء الهيكل؛ وبذا كان الإشراف على البناء فينيقياً، وغالبية العمال كانوا من الكنعانيين، وكان التصميم داخل الهيكل وكذلك النقوش كنعانية، وفي الصلوات كانت الطقوس أيضاً كنعانية.
منح سليمان لحيرام - نتيجة لمساعدته الضخمة له في بناء الهيكل وقصره الذي استغرق بناؤه ثلاث عشرة سنة - مكافأة عبارة عن تنازله له عن عشرين مدينة كنعانية في الجليل الأعلى شرقي عكا.
والحقيقة، أنه ما زالت هذه الروايات والحكايات الأسطورية التي تحدثت عن إنجازات وأعمال سليمان غير مدعومة بوثائق تاريخية، ولكن أعداداً كبيرة من علماء اللاهوت والأثريين التوراتيين ذهبوا للبحث عن مخلفات سليمان المعمارية وما تحويه من كنوز ومقتنيات، فشغلوا أنفسهم بالمخططات التفصيلية للقصر والمعبد اعتماداً على الوصف التوراتي دون أن يعثروا على مخلفات مادية تبرر مثل هذه التصورات.
وراح المنقبون يعملون في القدس منذ أن تم إنشاء أول جمعية للآثار عام 1865م، التي سميت بصندوق استكشاف فلسطين، ومازالت الحفريات الأثرية تجري على نطاق واسع من قبل المحتلين الإسرائيليين، وخاصة في منطقة الحرم الشريف الذي تتوسطه الصخرة المشرفة والأحياء المحيطة به. وكثيراً ما نُسبت المخلفات التي تسبق العصر الإسلامي إلى الفترات الإسرائيلية القديمة حتى تلك التي تعود إلى العهود اليونانية والرومانية، إلى أن قامت الباحثة الإنكليزية المشهورة "كاثلين كينيون" بحفرياتها في المدينة وتمكنت من إعادة تأريخ عدد من المخلفات المعمارية اعتماداً على تسلسل الطبقات السكنية والشواهد الأثرية المرتبطة بها.
فإذا كانت التوراة قد وصفت سليمان بأنه بانياً كبيراً، غير أن الباحث الإسرائيلي "إسرائيل فنكلشتاين"، يقول أن الملك الإسرائيلي "آحاب" بالتحديد الذي تحدثت عنه التوراة بصفته حاكماً ضعيفاً تزوج من امرأة زانية تُدعى "إيزابيل"، كان على ما يبدو البنّاء الأكبر للأبنية التاريخية المهمة، وكل هذا ظهر أثر اكتشاف خطأ في التاريخ، فالمكتشفات التي أُرجعت لفترة داود وسليمان في القرن العاشر قبل الميلاد، بُنيت على ما يبدو بعد ذلك بمائة سنة في فترة الملك آحاب.
إن ما يُسمى بتحريك التاريخ الذي لم يتم البرهنة عليه بعد بشكل كامل يسمى من قبل علماء الآثار اليوم بـ "تعديل فنكلشتاين" نسبة للباحث "إسرائيل فنكلشتاين" الذي سبق ذكره.
وفي اجتماع علماء الآثار الذي عُقد في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية في نهاية عام 1997م، قال البروفيسور دافيد اوسيشكين من جامعة تل أبيب والذي شارك قبل 38 عاماً في كشف أحد قصور الملك سليمان، أنه غيَّر رأيه، وهو اليوم يتفق مع تفسير فنكلشتاين.
ويذكر فنكلشتاين: "مقابل الادعاء المعروف والقائل أن كل ما ورد في التوراة يقف على أرضٍ صلبة، فإن الأمر ليس على هذا النحو الآن، وأنا أعلم أنني زرعت بذور الشك".
سياسة سليمان الداخلية:
يزعم العهد القديم أن الملك سليمان عمل على تأمين عرشه في الداخل، بإتباع سياسة تفتيت أي تحالف قد يقوم بين القبائل الإسرائيلية التي طمحت إلى التمتع بنوع من الحكم الديمقراطي، كما وضع الحواجز بين الحدود بينها لخلق مشكلة من شأنها التفرقة بين هذه القبائل وتلهيها عن الانتباه لتصرفاته بما يرتكبه من مخالفات شرعية، فعمل على تقسيم المملكة إلى اثنتي عشرة محافظة على رأس كل منها وكيل مهمته جمع الضرائب التي يحتاج إليها كما فرض على كل وكيل إعاشة الملك وحاشيته وجيشه وخيله شهراً، وأكثر سليمان من بناء المباني الحكومية والملكية.
وتحمَّل الإسرائيليون كارهين جميع هذه التكاليف، فكان الممول لا يكاد يفيق من ضريبة حتى تدهمه إدارة الضرائب بأخرى، بالإضافة إلى المبالغة في الإنتاج للتصدير بغية الحصول على الأموال الضرورية للملك وحاشيتــه، وبلغ من شدة هذه الضرائب أن البلاد رغم مظاهر الرخاء، كانت تسير نحو أزمة اقتصادية، فكان للعامل الاقتصادي دور مهم في الأزمة السياسية التي تلت بالفعل موت سليمان.
أدت كثرة الضرائب التي فرضها سليمان على شعبه إلى قيامهم بالثورة ضده بقيادة "يربعام بن نباط" الذي طمع في الحكم، وعندما فشل في مسعاه لجأ "يربعام" إلى فرعون مصر "شيشنق" الذي رحب به، فكان ذلك سبباً لانقسام بني إسرائيل فيما بعد وبداية لأفول مجدهم وعزهم الذي لم يدم أكثر من سبعين سنة أو أقـــل، وهذا ما ينفي قطعياً أن سليمان قد تزوج من ابنته.
حاول سليمان الملك تقليد الإمبراطوريات المحيطة به، والتي كان للمركبات فيها دور كبير في الحرب، ورغم أنه لم يحارب قط، فقد بنى لنفسه إسطبلات واسعة لخيول مركباته الحربية في مدينة مجدو، وذلك لمجرد الأبهة، وقد ألقت بعثات الحفائر الأمريكية في مدينة "مجدو" القديمة الضوء على هذه الإسطبلات، فلقد عثر المكتشفون وخاصة ما قام به "جاى P.L.O. Guy" على بقايا إسطبلات الخيول والتي كانت دائماً تنتظم حول فناء دائري مبلط بملاطٍ من الحجر الجيري وما يزال الكثير من هذه الإسطبلات محتفظاً بمعالف طعام الخيل، كما لا تزال أجزاء من معدات السقي ظاهرة، كما تدل فخامة الاصطبلات والعناية الشديدة التي بذلت بوفرة في المباني والخدمات على أن الخيل كانت مرغوباً فيها في تلك الأيام، وعندما تم الكشف عن المبنى بأكمله، قدر بعض الباحثين لكل إسطبل 450 حصاناً، ولكل حظيرة 150 عربة، هذا وقد كُشفت نظائر لهذه الإسطبلات في بيت شان وحاصور وتعنك.
وخطبت ملكة سبأ العربية وده – التي لم يُعرف بعد اسمها - طالبة منه المعونة، وقصة هذه الملكة مع سليمان مشهورة ووردت في القرآن الكريم.
وبموت سليمان الملك ودفنه، دُفن معه أيضاً حُلم بني إسرائيل بإقامة قوة إسرائيلية ضخمة إلى الأبد، كما يذكر الأستاذ مصطفى مراد الدباغ.
ويبدو أن الأستاذ الدباغ لم يخطر بباله وقت كتابته لهذه العبارة، أن الإسرائيليين سيقومون بعد ذلك بفرض سياستهم على جميع الدول العربية والإسلامية، ومن ثم اضطرار هذه الدول للاعتراف بوجودها كدولة ذات سيادة من ناحية، والاعتراف بقوتها الحربية ومقدرتها السياسية من ناحية أخرى وعجزهم عن مقاتلتها اللهم إلاَّ حركات المقاومة في فلسطين ولبنان وما أنزلوه بها من خسائر.
والحقيقة أن صورة الملك سليمان النبي في القرآن الكريم تختلف اختلافاً بيناً وجوهرياً عما وردت في توراة بني إسرائيل، وإن اتفقا معاً في أن سليمان كان من "آل داود" كما أنه ورث الحكم عن أبيه. "وورث سليمان داود" و " ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب"، كما لم يرد في القــرآن أي إشارة لزيجات سليمان المبالغ بها التي وردت في العهـــد القديم، ولم يرد كذلك أي خبر عن إتباعه لأهواء زوجاته بإتباع آلهتهن.
وذكر الأستاذ أحمد عثمان، أن القصة القرآنية تختلف اختلافاً جوهرياً عن قصة العهد القديم في:
1- عدم ذكر أي شيء عن مملكة سليمان الممتدة ما بين النيل والفرات.
2- ولم تذكر أنه قام ببناء معبد القدس.
3- لم يرد في القرآن أي ذكر للقدس أو بيت المقدس، فيما يخص الروايات المتعلقة بسليمان أو بأبيه داود.
إن وهم اتساع حدود مملكة سليمان التي ورد ذكرها في العهد القديم يعتبره أكثر الباحثين من قبيل المبالغات، فمملكة سليمان التي يتبجح اليهود بعظمتها كانت أشبه ما تكون بمحمية مصرية مرابطة على حدود مصر، قائمة على حراب أسيادها الفراعنة الذين كانت أهم أهدافهم حماية حدودهم الشرقية من غارات الأقوام الطامعة بمصر وفي مقدمتهم الآشوريون.
ويعلق المؤرخ المشهور "ويلز Wells" في كتابـــه "معالم تاريخ الإنسانية" ص 279، 283 على التمادي في هذه الخيالات والمبالغات في تصوير حدود مملكتي داود وسليمان، فيقول: "ولا يستطيع أحد أن يزعم أن أرض الميعاد وقعت يوماً بيد العبرانيين (الإسرائيليين)، ويلوح أن داود وضع نفسه في حماية حيرام ملك صور فثبتت هذه المحالفة الفينيقية ملكه".
ويشرح "ويلز" كيفية تصوير كتبة التوراة لمملكة سليمان في صورة تفوق الواقع بكثير قال: "من الخير ألاَّ تغيب عن بالنا التقديرات النسبية للأمور، فسليمان وهو في أوج مجده ليس إلا ملكاً صغيراً يحكم مدينة صغيرة، وكانت دولته من الهزال وسرعة الزوال بحيث أنه لم تنقض بضعة أعوام على وفاته حتى استولى شيشنق أول فراعنة الأسرة الثانية والعشرين على أورشليم، ونهب معظم ما فيها من الكنوز، ويقف كثير من النقاد موقف المستريب إزاء قصة مجد سليمان التي توردها أسفار الملوك والأيام، وهم يقولون إن الكبرياء القومي لدى كتاب متأخرين هو الذي دعاهم إلى إضافة أشياء إلى القصة والمبالغة فيها ".
فضلاً عن ذلك، فالتوراة تشير إلى أن سيطرة داود امتدت إلى نهر الفرات، ولاشك أن هذا الادعاء مستبعد كلياً، ويُعد من قبيل المبالغة والخيال شأنه شأن الإسهاب في وصف منشآت سليمان بمنتهى الضخامة والفخامة.
والمصدر الوحيد الذي تحدث عن أعمال داود وسليمان وعن دورهما السياسي والعمراني في أرض كنعان هو التوراة فقط، إذ لم يعثر الآثريون على أي أثر من هذا الدور، ومعلوم أن التوراة - كما سبق وأشرنا مراراً - كُتبت في وقتٍ لاحق وكُتب أكثرها أثناء السبي البابلي وسط المحيط البابلي السومري الذي اعتاد أهله وصف أعمال الآلهة الخارقة العادة على نمط الأساطير الخيالية للتأثير بها على نفوس الجماهير، مما أدى إلى تقليد كتبة التوراة للأقوام الذين عاشوا بينهم، فوصفوا عظمة داود وسليمان على طريقة كتابة الأساطير البابلية والسومرية والكنعانية في وصف خوارق آلهتهم، وصف التوراة لعظمة دولة سليمان واتساع حدودها حشو لا يعدو أسلوب المبالغة الذي اعتاده أقوام تلك العصور.
ويضيف الدكتور أحمد سوسة في دراسته الرائعة التي ينفي بها وجود دولة إسرائيلية ممتدة من النيل إلى الفرات زمن داود وسليمان: إن هذه الدولة لم توجد لعدة أسباب منها: أن اللغة التي تكلم بها داود وسليمان هي اللغة الكنعانية حيث لم يكن قد توافر لبني إسرائيل أي مقومات قومية وثقافية أو حتى حضارة خاصة بهم، بل كانت حضارتهم قائمة على تراث كنعاني بحت. أما اللهجة العبرية المقتبسة من الآرامية التي تم بها كتابة التوراة في الأسر لم تظهر إلاَّ في وقتٍ متأخر، أي بعد عصر داود وسليمان وهذا يعني أن كتابة العهد القديم لم يكن قد ظهر إلى الوجود في ذلك الزمن. أما المزامير التي ترجع إلى عهد داود وأمثال سليمان فهي من أصل كنعاني، وكانت تُتلى آنذاك باللغة الكنعانية وعلى الطريقة الدينية الكنعانية، ثم قام الكهنة اليهود بترجمتها فيما بعد إلى العبرية وعُدت من الأسفار المقدسة في التوراة، وهذا كله يثبت أن فلسطين بقيت كنعانية في ثقافتها وحضارتها ولغتها زمن داود وسليمان في القرن العاشر قبل الميلاد، وأن دويلة داود وسليمان لم تكن إلاَّ دويلة قائمة على تراث كنعاني بحت تمثل أقلية صغيرة بين دويلات عــريقة في حضارتها السامية العربية تحيط بها من جميع أطرافها، وتؤكد التوراة أن مملكة سليمان كانت مملكة وقتية آلت إلى الزوال بعيد وفاته.
ويذهب البعض إلى وجود تشابه بين قصة الملك سليمان مع حياة الفرعون المصري "أمنوحتب الثالث" من ناحية عدد الزيجات وتعدد الاعتقادات وأعمال البناء، فأمنوحتب الثالث - تاسع ملوك الأسرة 18، الذي حكم نحو 39 عاماً عند بداية القرن 14 ق.م. - كان كثير الزيجات بسبب السلام الذي ساد عصره، كما استغل الثراء الذي وصلت إليه مصر في أعمال البناء سواء في مصر أو في بلاد سورية وكنعان، فشيّد المعابد والقصور والمدن المحصنة وكان لوجود عدد كبير من أسرى الحروب آنذاك أثر فعال في زيادة القوى العاملة التي استخدمت في أعمال قطع الحجارة و البناء.
ولما شارك "أمنوحتب الرابع" (اخناتون) أبيه في الحكم، دعا اخناتون إلى عبادة معبود ليس له صورة سماه (آتون) كمعبودٍ واحد للمصريين والأجانب، مما كان له أثر كبير في تغيير أشكال الاعتقادات المصرية. والواضح أن أمنوحتب الثالث - على الرغم من عدم تركه للاعتقادات القديمة - أخذ بالاقتناع بالدعوة الجديدة التي بدأها ابنه.
ولا يتضح التشابه الكبير بين تاريخ أمنوحتب الثالث وقصة سليمان التي وردت في سفر الملوك الأول في كثرة زوجاته الأجنبيات أو تعدد اعتقاداته الدينية في آخر أيامه فحسب، بل بأعمال البناء التي قام بها أمنوحتب الثالث في كل المواقع التي جاء ذكرها في قصة سليمان، فبينما لم يتم العثور على آية بقايا لهذه المباني تعود إلى القرن العاشر ق.م.، القرن الذي عاش فيه سليمان، نجد الأدلة كلها تؤكد أن هذه الأعمال نفسها تمت قبل عصر سليمان بنحو أربعة قرون، أي في عصر أمنوحتب الثالث.
كما كانت توجد حامية مصرية شمالي قلعة القدس وتشير الدلائل إلى أن الفرعون المصري ابتنى هناك معبداً، كما تتفق التفاصيل التي وردت في القصة مع أشكال المعابد المصرية التي أنشأها الفرعون في بيسان ومجدو وحاصور.
وأكدت البعثة الأمريكية التي قامت بالكشف عن القصر الذي بناه أمنوحتب الثالث غربي الأقصر، أنه كان مكوناً من البيوت نفسها التي ورد ذكرها في قصة سليمان.
هكذا اقتبس الكتبة الإسرائيليون قصة أمنوحتب الثالث الذي قام ببناء معبد الصخرة لتدعيم الحق التاريخي لبني إسرائيل في ملكية القدس، ولسوف نلاحظ بعد قليل أن إمبراطورية بني إسرائيل المزعومة ستختفي من الوجود تماماً بمجرد موت سليمان، فلا قصور ولا حصون، وإنما العودة إلى مملكتي إسرائيل ويهوذا مرة ثانية ومن ثمّ حروبهم مع الفلسطينيين شركائهم في حكم بلاد كنعان.
وفيما يخص الرواية التوراتية التي تحدثت عن زواج الملك سليمان من ابنة فرعون مصر شيشنق، نجد المصادر المصرية لا تذكر أي شيء عن هذا الزواج، وكل ما أكدته هذه المصادر هو أن شيشنق خرج إلى فلسطين، وهزم عدداً من ممالكها، ولكن لا ذكر لسليمان ولا لإمبراطوريته بل توجد رواية تقول أن شيشنق دخل القدس واستولى على أوانيها الذهبية الموجودة في معبدها، فالفراعنة منعوا زواج بناتهن من الملوك الأجانب، لأنهن - حسب النظام الفرعوني - آلهة.
د. أسامه محمد أبو نحل
الأستاذ المساعد بقسم التاريخ، جامعة الأزهر ـ غـزة | |
|